خلاصه ماشینی:
"و لا إخالنا نستطیع أن ننظر الی هذه الصورة الرائعة التی یقدمها الشاعر علی أنها مشهد رآه و انتهت انفعالاته و أحاسیسه بانتهاء المشهد،بل نراها صورة من صور الطبیعة تشد الشاعر إلیها بنوع من روابط الأنس و الفرح و السرور،و الانفعال،الذی لانخاله أیضا ینتهی کما بدأ،بل نتصوره جدولا من الأحاسیس فاضت به تلک الصورة من صور الطبیعة،و انساب فی نفس الشاعر الی الأعماق،و ترک فیها أثرا لا یقل عن أثر السیل فی التربة حیث کانت تجری وقائع ذلک المشهد،فکان هذا الأثر خطا من الخطوط التی تحد بها النفس الإنسانیة و عواطف الشاعر و أحاسیسه،و هو کالخط الذی یحد أرض الوطن إذا أردنا أن نرسم حدوده علی الخریطة.
فذکر طرفة الحجاز فی شعره،فقال: فلست بلاق بالحجاز مجاورا#و لا سفرا إلا له منهم حبل بلاد بها عزوا معدا و غیرها#مشاربها عذب و أعلامها ثمل3 و ذکر نابغة بنی جعدة العراق و الشام و حضر موت،فقال: یدیر علینا کأسه و شواءه#مناصفة و الحضرمی المحبرا رحیقا عراقیا و ریطا شآمیا#و معتصرا من مسک دارین أوفرا و قال المتلمس: أمی شآمیة إذ لا عراق لنا#قوما نودهم إذ قومنا شوس *** آلیت حب العراق الدهر أطعمه#و الحب یأکله فی القریة السوس *** علی أننا لا نجد بدا هنا من الإشارة الی أن بعض هؤلاء الشعراء-و کذلک الإنسان عامة-قد یجد ما یشده الی الأرض فی غیر وطنه،کما قد یجد عوامل عدیدة تشده الی أکثر من منطقة و أکثر من«وطن»،و قد ینمو هذا الشعور أو هذه المشاعر،و تصیر حالة نفسیة یقل معها شعور الارتباط بالأرض بفعل عوامل متعددة، و لا یعود إلا ارتباطا عرضیا."