خلاصه ماشینی:
"و لقد تذرع أوائل الداعین بالهوة القائمة بین الفصحی و العامیة،ثم تبعهم التابعون و هم کالببغاوات التی لا تعی ما تقول،فالاطفال فی بدایة عصر النهضة کانوا یعیشون فی بیئة أمیة متخلفة،لا یعرف فیها الاب و الام الا لغة التخاطب الممتزجة بلغات أجنبیة غازید،کالترکیة و الفرنسیة و الانکلیزیة،و لم تکن هذه البیئة تعرف المذیاع و لا وسائل الاعلام الاخری التی تبث اللغة الفصیحة فی الآذان،فکان الانتقال من هذا الجو اللغوی المتخلف الی اللغة الفصیحة فی المدرسة اجتیازا الهوة بالغة العمق،لان الطفل سیری نفسه أمام لغة جدیدة فی مفرداتها و تراکیبها و أصواتها،و من أجل ذلک تمسک أوائل الداعین بها،و طالبوا بجعل لغة العامة هی اللغة المستعملة فی التعلیم و التربیة، و لکن الامر اختلف،و خیب ظنونهم،فقد انتشر التعلیم بین الرجال و النساء، و عرف البیت وسائل الاعلام الصوتیة و ملأت اللغة الفصیحة آذان الاطفال و فهموا کثیرا من تراکیبها،و أصابوا حظا منها عن طریق الام المثقفة و الاب المثقف،بل ان اللغة الیوم فی تقدم مطرد نحو اللغة الفصیحة،و مع ذلک کله نری بعض الباحثین لا یزال یردد کلام أوائل الداعیم و المتذرعین،فیدعی أن هناک هوة قائمة بین العامیة و الفصحی،فالی أی حد یصیر الانسان کالببغاء؟ الدعوة الی الحروف اللاتینیة أما موازنة بعض هؤلاء بین العربیة و اللاتینیة،فلا تخلو من سطحیة النظرة،و تجاهل الفروق البعیدة بین ملابسات اللغتین،و هذا الموقف واحد من موافق کثیرة لم تکن الدعوة فیها صادرة عن دراسة واعیة،بل عن مجرد التقلید الذی یهییء له،و یحفز علیه الشعور بالنقص دون غیره."