خلاصه ماشینی:
"فالمنافسة،أو المفاضلة،أو المقارنة بین الحداثة و الاصالة،لم تعد مسألة داخلیة یعنی بها أبناء وطن معین،و إنما أصبحت مسألة عالمیة تطرح علی صعید التطور الذی بلغته المسیرة الإنسانیة.
*** و اعتقد الغرب أن الحداثة المادیة التی بلغها قد حققت حلم الإنسان فی السیطرة علی الطبیعة و التمتع بمباهج الحیاة.
و لکن الثورات التی اندلعت فی العالم،و الإضطرابات السیاسیة و الإجتماعیة التی الجتاحت الغرب نفسه،و الأزمات الإقتصادیة التی بدأت تهدد الغرب و تزعزع ثقته بدوام رفاهیة،أخذت بأن الحداثة القائمة علی التقدم العلمی و التنمیة الإقتصادیة لا تکفی لتغییر الإنسان و العالم.
لقد خیل إلی الغرب أن تتوجه إلی تحقیق السعادة المادیة للإنسان،و أن هذه السعادة تتم عند ما یکثر الإنتاج،و یتوافر الإستهلاک،و تنتشر الثروات،و أن سعادة الآخرین مرتبطة بسعادة الإنسان الغربی القادر،وحده،علی استخدام العقل و استنباط وسائل الرفاهیة و تعمیمها علی الآخرین.
و إذا کان وجود الإستعمار قد أجج نار المعرکة بین الحداثة و الاصالة،و جعل سکان المستعمرات،خلال فترة الإستعمار،یتشبثون بأهداب الاصالة من أجل الوقوف فی وجه الحداثة المتمثلة بالمستعمر،فإن حصول المستعمرات علی استغلالها لم یسفر عن إخماد النار و وضع حد للصدام بین التیارین.
و الحرکات الداعیة،فی الغرب،إلی التکتلات الإقلیمیة، أو المحافظة علی البیئة،أو تحریم الحروب و حمل السلاح،مثل علی الصراع بین الحداثة و الاصالة،أو مثل علی وجود تیار فی الغرب المتطور ینادی بالعودة إلی الطبیعة و الجذور الأصیلة.
و هذه الأزمة لم تعد مجرد مظهر لصراع قائم بین تیارین متلاطمین متنافسین منذ زمن طویل،بل أصبحت مؤشرا یرمز إلی زعزعة الإیمان،و خصوصا إیمان الغربین،بقدرة الحداثة علی تحقیق التقدم و الرخاء."