خلاصه ماشینی:
"لقد تمیزت هذه الحضارة منذ بزوغها بالانفتاح الکامل علی جمیع ثمرات الفکر و معطیات الحضارات دون عقد أو خوف فی تفهم عمیق لقیمة هذه المعطیات،و احترام لها،فهضمت،و قبلت،و رفضت عبر مقاییسها الخالدة المستمدة من نظرتها للحیاة و الکون،و تمیزت بالنظر إلی الکون علی أنه مختبر حی لتجارب الانسان فی التعرف علی سنن الحیاة(سنة الله فی خلقه و لن تجد لسنة الله تبدیلا)أو کما نسمیها الیوم قوانین الطبیعة.
و لکن الإنسان الذی تقصده هذه الحضارة لم یکن الإنسان الأمة التی تتمتع بها،بل کان إنسان هذا العالم بکل ما یمثل،لذلک کانت قیمته ضمن دار الإسلام أی ضمن صلاحیات الأمة الإسلامیة تحفل بمساواة فی الحقوق و الواجبات التی تقابل هذه الممیزات التی أعطاها له کتاب الله حین جعله خلیفته فی أرضه منذ خلق الله هذه الأرض.
من منطلق هذه النظرة،حافظ الإسلام و التاریخ الإسلامی علی حقوق لأهل الکتاب فی مساواة تکاد تکون کاملة مع غیر هم من المواطنین إذا ما أخذنا بعین الاعتبار الظروف الفکریة و الاقتصادیة و الاجتماعیة التی کانت تسود هذه الفترة الکبیرة من التاریخ العالمی،و علی حقوق لغیر هم تتوازی مع هذا المفهوم.
و الفترة الثانیة التی واجهت فیها الحضارة الإسلامیة مثل هذا الخطر کانت فترة الغزو الصلیبی الذی تصدت له وسائل الدفاع الفکری و الاجتماعی قبل أن تتحقق المواجهة العسکریة الثانیة بعد الاحتلال الکبیر.
و إذا کان الأمر کذلک فأین نحن الیوم فی المواجهة الصعبة من تاریخنا،من هذه القیم التی یزعم بعض الذین ضللتهم الدعایات المدروسة المغرضة أنها هی السبب فی هذا التخلف الألیم الذی یحیق بنا؟."