خلاصه ماشینی:
"ویری الصدر أن المنطق الأرسطی یسمی هذا الدلیل الاستقرائی بما یستبطن من قیاس (تجربة) وهی أحد مصادر المعرفة الیقینیة عند أرسطو ، وذلک «خلافا للاستقراء الناقص الذی یمثل أحد عنصری التجربة ، ویعطی صغری القیاس المستبطن فیها ، فالتمییز بین التجربة والاستقراء الناقص فی المنطق الأرسطی یقوم علی أساس أن الاستقراء الناقص مجرد تعبیر عددی عن الأمثلة التی لوحظت خلال الاستقراء ، وأما التجربة فهی تتألف من ذلک الاستقراء ومن مبدأ عقلی مسبق ، یتکون منهما معا قیاس منطقی کامل» [9] .
وبناء علی ذلک فإن نظریة المعرفة عند السید محمد باقر الصدر تعنی بمنهج أساسی أراد من خلاله إثبات صلاحیته فی بلوغ درجة الیقین فی المعارف البشریة ، وعلی الأخص منها معرفة صانع وخالق هذا الکون ومدبره ، هذا المنهج هو منهج الدلیل الاستقرائی القائم علی حساب الاحتمالات ، الذی لا یؤمن به المنطق الأرسطی ولا غیره من الفلاسفة ، ولم یتنبه إلیه ـ أیضا ـ الباحثون المحدثون الذین عالجوا مسألة الاستقراء.
هذا الاتجاه الجدید للسید محمد باقر الصدر اتخذه بعد اکتشافه عجز الاتجاه السائد الیوم فی بحوث کثیر من العلماء عن تفسیر الاستقراء بوصفه تطبیقا خالصا لنظریة الاحتمال ، الأمر الذی دعاه إلی ابتداع فکرته الجدیدة ، لأن البحوث السابقة علیه «اتجهت ـ فیما یقول الصدر ـ إلی القول : بأن الدلیل الاستقرائی بحاجة إلی مصادرات خاصة ، ولا یمکنه أن یمارس مرحلته الاستنباطیة بدون تلک المصادرات» [39] مع إن هذا الدلیل لا یحتاج ـ فی المنظور الجدید الذی قدمه الصدر ـ إلی المصادرات القبلیة کالتی یؤمن بها المنطق الأرسطی ، ویربط مصیر هذا الدلیل بها ، بل یؤکد الصدر علی أن تلک المصادرات ذاتها یمکن إثباتها بالاستقراء نفسه کما نثبت أی تعمیم من التعمیمات عن طریق الدلیل الاستقرائی الذی یطابق تعریف الاستقراء الصحیح وهو : (کل استدلال یسیر من الخاص إلی العام) ."