چکیده:
یرتبط عنوان "التخصُّص الفقهیّ" بنزعة التحدیث فی علم الفقه وتطویر آلیَّات الاجتهاد فیه، وما زال البحث فیه مفتوحًا ضمن جدلیَّة التراث والحداثة، بین مقتنع بضرورته ونافٍ للحاجة إلیه.
وثمَّة التباسات عدیدة فی دلالة هذا المصطلح تقتضی البحث عن مدلوله؛ ولذلک تَمَّ عرضه بمعانیه الثلاثة: الأکادیمیّ، البحثیّ، والمرجعیّ.
وکی یتَّضح مدى الحاجة إلى التخصُّص الفقهیّ بالمعنیین الأخیرین، عالجنا المسألة ضمن نقاط عدیدة:
الأولى: الجواب عن هدف الفقه الإسلامیّ ودوائره وامتداداته فی حیاة الإنسان، وهو هدف تنظیم الحیاة الإنسانیَّة بکافَّة أشکالها.
والثانیة: تتعلَّق بتحلیل معالم الحضارة البشریَّة الراهنة، فلا شکَّ فی أنَّ الخطَّ البیانیّ لنموِّ المجتمعات الإنسانیَّة یتحرَّک تصاعدیًّا، فبین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا، تغیُّرًا معرفیًّا، وثقافیًّا، واجتماعیًّا، وتکنولوجیًّا...، على مستوى عالَمَی الأفکار والأشیاء معًا.
الثالثة: شهد التراث الفقهیّ والأصولیّ حرکة نموٍّ داخلیَّة تصاعدیَّة بوتیرة عالیة؛ إذ ساهم فتح باب الاجتهاد الإسلامیّ فی إیجاد حالةٍ من التراکم الکمِّیّ والکیفیّ فی بحث الفقه وأصوله.
الرابعة: لا شکَّ فی أنَّ المسائل الفقهیَّة فی التراث الإسلامیّ کانت منسجمة مع طبیعة حیاة إنسان ذلک الزمان فی مجالات أنشطته التجاریَّة والزراعیَّة و...، وکانت تجیب عن حاجات ذلک العصر؛ ونحن لا نجد فیها أیّ باب خاصّ بالبیئة، أو الإدارة، أو الإعلام، أو العلاقات الدولیَّة... ممَّا یحتاجه الأفراد والمجتمعات فی الحیاة لمعاصرة.
الخامسة: فردانیَّة فعل الاجتهاد، بمعنى أنَّ النزعة الفردیَّة -کانت وما زالت- تحضر بقوَّة فی عملیَّة استنباط التشریعات الإسلامیَّة؛ وهذا یعزِّز سیکولوجیًّا الأُنس بها، ویوجب الغفلة عن التخصُّص فی الفقه.
نعم، یبقى أنَّ التخصُّصیَّة الفقهیَّة بالمعنى الثالث -أی التخصُّص الاجتهادیّ بالمعنى المرجعیّ- تفرض تحدِّیات ذات طابع شرعیّ؛ بمعنى البحث فی جواز التبعیض فی التقلید أوَّلًا، وفی جواز تقلید المجتهد المتجزِّئ -على فرض کون المتخصِّص من مصادیق المجتهد المتجزِّئ- ثانیًا. وهذا ما تمَّت الإجابة عنه بطرح فَرْضیَّتین.