خلاصه ماشینی:
"إلا أن ذلک التصور المثالی للوحدة السیاسیة ظل-لأسباب عاطفیة و مبدئیة و لغیاب البعد التاریخی الواقعی فی التفکیر العربی-یتمازج و یتماهی مع مفهوم«الوحدة»الحضاریة من ناحیة، و مع مثال«وحدة الأمة و الجماعة»فی المبادیء الاسلامیة من ناحیة أخری،لیباعد بین الوعی العربی و ضرورة إدرا که لواقع تاریخی و مجتمعی شدید التعقید،له قوانینه و آلیاته الموضوعیة الخاصة به،بما یغایر المبادیء و المثل و التصورات،و هی القوانین و الآلیات التی ادت إلی تعددیة الکیانات السیاسیة فی واقع التاریخ العربی و الإسلامی،و جعلته یسیر فی منحی مختلف عن المنحی المثالی لتصور الوحدة السیاسیة الشاملة،و ذلک منذ الحروب الأهلیة المبکرة(الفتن)بین کبار (*)هذا هو المبحث الثالث من دراسة للباحث،کانت مجلة المستقبل العربی قد نشرت المبحث الأول منه و هو بعنوان:«الدولة القطریة:مرحلة اقطاعیة متأخرة؟نحو نقض نهائی لمقولة«الاقطاع»فی التاریخ الاسلامی،»المستقبل العربی،السنة 15،العدد 161(تموز/یولیو 1992)،ص 47-66.
و عندما یکون ذلک المرکز السیاسی فی أوج قوته فإنه یتمتع بقدرة عسکریة مؤقتة تمکنه من السیطرة علی الولایات و المناطق التابعة له لبعض الوقت،لکنه لا یمتلک قدرة«الدولة العضویة» التی سنشرح مفهومنا لها بعد قلیل،علی التواصل و التفاعل المنتظم مع تلک الولایات و المناطق- التی تفتقد بدورها تلک الصلة فی ما بینها أیضا-بسبب ترامی أطراف المنطقة العربیة و خضوع طرقها لسطوة القبائل المتمردة و البدو الرحل،و امتداد الصحراء-أساسا-بمثابة حاجز و فاصل بین عدد کبیر من مراکزها الحضریة و أقالیمها الرئیسیة مما أدی إلی غیاب أی امتداد کثیف للبشر و النبات و العمران،و بالتالی لحضور الدولة و نظامها و تقالیدها و مؤسساتها."