خلاصه ماشینی:
"لقد کان هدف ابن خلدون من خلال عرضه للاتجاهات و المناهج التی سادت کتابة التاریخ العربی منذ القرن الثالث للهجرة حتی فترة معاصرته تشخیص مواطن الضعف فی هذه المناهج و إبراز الفکرة بأن فترة الإبداع و التجدید اقتصرت علی المنهجین الأولین فقط و أخذت بعد ذلک الکتابة التاریخیة تواجه صعوبات فسادت فترة من الرکود و التخلف متمثلة بالاتجاهین الثالث و الرابع.
و یوضح ابن خلدون الدوافع التی دفعته إلی أن یطرح مشکلة الکتابة التاریخیة و ضرورة إعادتها بنظرة مستقبلیة فیقول«و لما طالعت کتب القوم و سبرت غور الأمس و الیوم نبهت عین القریحة من سنة الغفلة و النوم و سمت التصنیف فی نفسی و أن المفلس أحی الیوم،فأنشأت فی التاریخ کتابا رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجیال حجابا و فصلته فی الأخبار و الاعتبار بابا بابا،و أبدیت فیه لأولیة الدول و العمران عللا و أسبابا،و بنیته علی أخبار الأمم الذین عمروا المغرب فی هذه الأعصار،و ملأوا أکفاف الضواحی منه و الأمصار و هما العرب و البربر...
و مع ذلک،فإن ابن خلدون یتجاوز ذلک الذی یعتبره الفهم الخارجی البرانی للتاریخ أما«فی باطنه فهو نظر و تحقیق و تعلیل للکائنات و مبادئها دقیق،و علم بکیفیات الوقائع و أسبابها عمیق»1،فالمفهوم الحقیقی للتارخ إذن نظر و تحقیق و لیس مجرد حکایات لأیام العرب و قصص یتعظ و یتسلی بها،عبارة«نظر و تحقیق»تحمل أهمیة بحد ذاتها فهی التی أسبغت علی هیرودتس لقب(أبو التاریخ)لأنه عرف التاریخ2 بأنه بحث و استقصاء کذلک فإن العبارة تشیر إلی أن مبدأ ابن خلدون فی الکتابة التاریخیة یستند علی فهمه الجدید للتاریخ و بأنه لا یقصد منه الذاکرة إنما التنقیب عن المصادر و التحقق عن الروایات لإظهار صدقها من کذبها من أجل الوصول إلی الحقیقة."