خلاصه ماشینی:
"انطلاقا من هذه الإشکالیة سنتطرق فی هذه الدراسة المتواضعة لنموذج من التحدیات الصلیبیة التی تعرضت لها أمتنا العربیة فی جناحها الغربی(الأندلس)ابان القرن الخامس الهجری لنبرز دور علماء تلک الحقبة فی التصدی لها، و الحیلولة دون استفحال الشرخ الذی أصاب العرب آنذاک فی غرب الوطن العربی و مشرقه علی السواء.
لعل أهم عالم جسد بحق هذا الدور الفقیه أبو محمد علی بن حزم أحد فطاحلة علماء القرن الخامس الهجری،فعلی خلاف بعض العلماء الذین تبنوا مبدأ الواقعیة و عدم الجرأة للتعبیر عن معارضتهم للنظام الطائفی علی الأقل حتی ظهور یوسف بن تاشفین،کان ابن حزم أکثر افصاحا فی معارضته المطلقة و اللامشروطة لدول الطوائف.
و بما أن أمر الأندلس کان قضیة لا تخص عرب الأندلس فحسب بقدر ما کانت قضیة تهم العرب کافة،فإن فتاوی أخری صدرت من علماء مسلمین من المشرق کذلک و فی طلیعتهم الإمام الغزالی الذی أفتی بأن إعفاء امراء الطوائف«و الإبقاء علیهم لا یتوصل معه الی واجب الجهاد»65 و نظرا لما تکتسیه الفتاوی من خطورة لکونها تعطی التبریر الشرعی لکل مبادرة سیاسیة،فإن إقدام العلماء علی إصدار مثل هذه الفتاوی لتمریر مخططات الأمیر المرابطی تعکس مدی مساهتهم فی إسقاط أمراء الطوائف و دق مسمار نعشهم و تمهید السبیل لیوسف بن تاشفین لاجتیاح الإمارات الطائفیة المترهلة،و ضمها نهائیا کخطوة أولی لاستئصال شأفة الخطر النصرانی دون إراقة دماء کثیرة66،کما یرجع إلیهم الفضل فی إضفاء الصبغة الشرعیة الدینیة علی دخول المرابطین الأندلس و توحیدها لمواجهة جحافل الجیوش الصلیبیة بعد أن برروا ذلک بتعامل أمراء الطوائف مع النصاری،و إثقال کاهل الرعیة بالضرائب و تقدیمها بسخاء لألفونسو67."