خلاصه ماشینی:
"فأین من هذه التشریعات الإسلامیة الرحیمة ما تقره بعض التشریعات الوضعیة فی بعض الدول فی قرننا العشرین من التحریش بین بعض الحیوانات و الطیور حتی تسقط صریعة الجراح و الآلام،و من اتخاذ بعض الطیور غرضا یرمی،و لا غرض لهم فی هذا إلا التلهی و التسلیة،و هکذا لم تصل بعض القوانین الوضعیة المعاصرة إلی ما وصلت إلیه الشریعة الإسلامیة من قرابة أربعة عشر قرنا،و إذا کانت القوانین الوضعیة الحدیثة قامت علی رعایة الجوانب الإنسانیة فهذا أمر لم تعرفه إلا بعد القرن الثامن عشر،و أغلب الظن أن تکون تأثرت-فیما تأثرت به-بالشریعة الإسلامیة فقد کان للاتصال بین الشرق و الغرب آثاره فی کل منهما،و إلیک کلام رجل عالم بالشریعة و القانون قال:(و لا یفوتنا بعد هذا أن نذکر أن القانون الوضعی کان حتی آخر القرن الثامن عشر قانونا وحشیا بعیدا عن أفق الإنسانیة،فکان یحاکم الأحیاء و الأموات،و الحیوان و الجماد، و ینزل بالجمیع عقوبات شتی قائمة علی التمثیل و التشهیر،کان القانون الوضعی هکذا حتی أخذ فی القرن الثامن عشر بأول مبدأ من مبادئ الشریعة الإسلامیة فانقلب قانونا إنسانیا بحتا،إذ أصبحت العقوبة فیه قائمة علی أساس التأدیب و الزجر بقصد حمایة المجتمع،و لم تعد هناک حاجة للتمثیل و التشهیر،و لم یعد منطق القانون یقبل محاکمة الأموات و الحیوانات و الجمادات،و هذا المبدأ الأول الذی لم یعرفه القانون إلا فی القرن الثامن عشر عرفته الشریعة مع غیره من المبادئ من القرن السابع المیلادی، و لذلک ترکزت المسئولیة الجنائیة من یوم نزول الشریعة فی الإنسان الحی،و لم یجعل غیره أهلا و لم یعرف عن الشریعة ما عرف عن القانون من محاکمة الأموات و الحیوان و الجماد،و لم یعرف عنها أنها تقبل التشهیر و التمثیل،بل عرف عنها أنها تأباه أشد الإباء،..."