خلاصه ماشینی:
"ولکن علی رغم کل ما قام به أولئک الأعلام من التمهیدات لتلک الغایة،و ما بذلوه من التضحیات و المفاداة فی غرس تلک البذور،و تعاهدها بالعنایة و الرعایة،حتی تثمر الثمر الجنی،و تأخذ حظها من الرسوخ و القوة لا نزال نحن-معاشر المسلمین- بالنظر العام نتعلق بحبال الآمال،و نکتفی بالأقوال عن الأعمال،و ندور علی دوائر الظواهر و المظاهر،دون الحقائق و الجواهر،ندور علی القشور،و لا نصل إلی اللب،علی العکس مما کان علیه اسلافنا،أهل الجد و النشاط،أهل الصدق فی العمل قبل القول،و فی العزائم قبل الحدیث،تلک السجایا الجبارة التی أخذها عنهم الأغبار فسبقونا و کان السبق لنا،و کانت لنا الدائرة علیهم،فأصبحت علینا تلک(سنة الله فی الذین خلو من قبل و لن تجد لسنة الله تبدیلا)نحن نحسب أننا إذا قلنا قد اتحدنا و اتفقنا و ملأنا بتلک الکلمات لهواتنا و أشداقنا، و شحنا بها صحفنا و أوراقنا-نحسب بهذا و مثله یحصل الغرض المهم من الإتحاد، و نکون کأمة من الأمم الحیة التی نالت بوحدتها عزها و شرفها،و أخذت المستوی الذی یحق لها،و لذلک تجدنا لا نزداد إلا هبوطا،و لا تنال مساعینا إلا اخفاقا و حبوطا، لا تجد لأقوالنا و أعمالنا أثرا،إلا اننا نأنس بها ساعة سماعنا لها،و ما هی بعد ذلک إلا کسراب بقیعة یحسبه الظمآن ماء حتی إذا جاءه لم یجده شیئا،و یستحیل لو بقی المسلمون علی هذه الحال أن تقوم لهم قائمة، أو تجتمع لهم کلمة،أو تثبت لهم فی المجتمع البشری دعامة و لو ملأوا الصحف و الطوامیر،و شحنوا أرجاء الأرض و آفاق السماء بألفاظ الإتحاد و الوحدة،و کل ما یشتق منها و یرادفها،بل ولو صاغوا سبائک الخطب منها بأسالیب البلاغة،و نظموا فیها عقود جواهر الإبداع و البراعة،کل ذلک لا یجدی إذا لم یندفعوا إلی العمل الجدی و الحرکة الجوهریة و یحافظوا علی أخلاقهم و ملکاتهم،و یکبحوا جماح أهوائهم و نفوسهم بإرسال العقل و الرویة الحنکة و الحکمة،فیجد کل مسلم أن مصلحة أخیه المسلم هی مصلحة نفسه،فیسعی لها کما یسعی لمصالح ذاته،و ذلک حیث ینزع الغل من صدره، و الحقد من قلبه،و ینظر کل من المسلمین إلی الآخر-مهما کان-نظر الإخاء لا نظر العداء و بعین الرضا لا بعین السخط،و بلحاظ الرحمة لا الغضب و النقمة."