خلاصه ماشینی:
"إن الإحساس الدقیق بإتجاهات الزمان عند المفکر أو الفنان هو الذی یکسب الفکر قیمة تاریخیة و جمالیة علی مدی توالی العصور،و کان المتنبی قادرا فی مجال الشعر العربی علی أن یجسد المقادمة و الاستسلام لإنحدار الحضارة العربیة و أزمتها؛و قد کان ممتلئا بإحساس متفجر بتدهور عصره،لذلک فإن الداء الذی أصاب الحضارة الإسلامیة قد إنتقل فی صورة ألم شخصی للمتنبی،تفاعل فی تلک اللحظة السیکولوجیة التی تلاقت أو إستجابت فیها نفسیة المتنی القلقة لمزاج الحضارة المکتب،بالإضافة إلی أن نفسیة المتنبی القلقة المتمزقة هی أیضا من بعض الوجوه صیاغة مرکبة للعصر السائد حین عجزت الحضارة العربیة الإسلامیة عن إشاعة العدل و المساواة بین القومیات التی دخلت الإسلام،فنشأ ذلک التفاوت الفاحش من الثروات و أدی إلی قیام الثورات ذات الطابع الطبقی کثورد الزنج و القرامطة.
و یکشف الباحث فی سیاق نقده للدارسین الغربیین الذین رأوا من التصوف جوهرا فکریا للحضار الاسلامیة یکشف جانبا من جوانب التبعیة الفکریة التی سقط فی أسرها بعض الباحثین العرب و المسلمین حین تلقفوا هذه الفکرة و روجوا لها کشهادة غربیة للأصالة الاسلامیة، و یقول بان التصوف الاسلامی قد نشأ تاریخیا فی وقت متأخر بعد تبلور الفکر التشریعی و السیاسی و الجمالی، و لم یکن التصوف فی البدء معترفا به لغربته عن الجوهر العقلانی الصارم للحضارة الاسلامیة ابان صعودها و ازدهارها اذ کان یتنافی مع الانجاز الحضاری من الفلسفة،و الفقه،و السیاسة و من العلم الطبیعی و الریاضی و من النظام التشریعی،و حینما خفتت شعل ذلک العقل المتوقد و أضحی الاکتئاب سمة لتدهور الحضارة الاسلامیة تشکل التصوف تعبیرا عن الاضطراب و التفسخ الذی أصاب ذلک العقل."