چکیده:
تعدّ ظاهرة التکرار من الظواهر الاسلوبیة التی وظّفها الشعراء المعاصرون فی نصوصهم الشعریة. و یودّی
التکرار وظیفتین فی النص الشعری: وظیفة تشکیلیة ایقاعیة و اخری نفعیة. تتنج الوظیفة الجمالیة عن استخدام التکرار لملء المکان و اثراء الفضاء لخلق الحرکة الایقاعیة داخل النص الشعری، تتمثل الوظیفة النفعیة فی دور التکرار فی الکشف عن المعنی و ایصاله الی المتلقّی. اذ ان الشاعر باستثمار التکرار یخلق وحدات دلالیة و ایقاعیة و توکیدیة، و ذلک من خلال تکرار وحدات لغویة- صوت و الکلمة و العبارة- فی بنیة
القصیدة، کما ینحم عن ذلک دلالات رمزیة تفتح ابواب القصیدة علی فضاءات تاویلیة. و قد برزت تقنیة
التکرار فی الشعر الفلسطینی المعاصر بشکل ملحوظ، کما وظّف محمود درویش هذه الظاهرة، محاولة منه
الی ایصال تجربته الشعریة فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة. معبرا فی القصیدتین عمّا یعانی ذاته و شعبه من التشرّد و العدوان، و من فقد کرامة و حریة سحقتهما اقدام الغزاة. ولکن الشاعر ینفخ روح الامل و النضال فی کیان الشعب، ایمانا منه بان الظلم سیزهق لا محالة. یسعی هذا البحث الی دراسة ظاهرة التکرار فی قصیدتین من روائع محمود درویش، منتهجا النهج الوصفی- التحلیلی، لیمیط اللثام عن بعض انماط التکرار فیهما. و قد تمثّل لنا التکرار بصور منها: التکرار الصوتی، تکرار الکلمة و التکرار المرکّب. وقد استنتج البحث ان الشاعر تمکّن من ان یثری تجربته الشعریة من خلال توظیف التکرار، و خلق دلالات و رموز تجلّت فی السیاق
الشعری، و قد منح التکرار ایقاعا لنصه الشّعری و جرسا یستقطب انتباه متذوّق شعری و یثری المعنی. کما کان الایقاع المنبثق من تکرار الاصوات المتواترة متناغما مع حالة الشاعر الشعوریة و النفسیة فی التعبیر عن تجربته.
خلاصه ماشینی:
إذ إن الشاعر بإستثمار التکرار يخلق وحدات دلاليۀ و ايقاعيۀ و توکيديۀ، و ذلک من خلال تکرار وحدات لغويۀ- صوت و الکلمۀ و العبارة- في بنيۀ القصيدة، کما ينحم عن ذلک دلالات رمزيۀ تفتح أبواب القصيدة علي فضاءات تأويليۀ.
و قد برزت تقنيۀ التکرار في الشعر الفلسطيني المعاصر بشکل ملحوظ ، کما وظف محمود درويش هذه الظاهرة، محاولۀ منه إلي إيصال تجربته الشعريۀ فيما يتعلق بالقضيۀ الفلسطينيۀ.
٢ و لکن التکرار يلعب دورا هاما في بنيۀ القصيدة المعاصرة لما يضمه من طاقات تعبيريۀ و جماليۀ و إيحائيۀ، يستطيع الشاعر من خلالها أن يرتقي بالقصيدة إلي مرتبۀ الأصالۀ و الجودة، مقارنۀ بأسلوب التکرار في الشعر العربي القديم الذي « ظل في إطار محدود سواء في أنماط بنائه أم في دلالته ».
و رسالۀ ماجيستير بعنوان «أساليب التکرار في ديوان سرحان يشرب القهوة في الکافيتريا» (٢٠١٢)، لعبدالقادر علي زروقي جامعۀ الحاج خضر في الجزائر، قام الباحث بتحليل قصيدة« سرحان يشرب القهوة في کافيتيريا» لمحمود درويش ، خلص هذا البحث الي أن التکرار بأنماطه شکل مرتکزا وظفها الشاعر في هذه القصيدة لأسباب دلاليۀ و فنيۀ، و أخري مردها نفسيۀ، فالشاعر کان يقصد من توظيف هذه التقنيۀ أن يحقق أهداف إيقاعيۀ و نصيۀ لغويۀ.
١٠وقد تطرقت نازک الملائکۀ إلي هذه الظاهرة اللغويۀ في کتابها «قضايا الشعر المعاصر»، و لها فضل الريادة في هذا المجال ؛ إذ قالت عن التکرار بأنه «إلحاح علي جهۀ هامۀ في العبارة يعني بها الشاعر أکثر من عنايته بسواها، و ان التکرار يسلط الضوء علي نقطۀ حساسۀ في العبارة ، و يکشف عن إهتمام المتکلم بها، و هو بهذا المعني ذو دلالۀ نفسيۀ قيمۀ تفيد الناقد الأدبي الذي يدرس الأثر و يحلل نفسيۀ کاتبه » .