خلاصه ماشینی:
"الإیجاز البلیغ: و نعود الآن إلی جوانب من تکامل هذه اللغة،و منها أن العرب أتفقوا منذ القدیم علی أن (الإعجاز فی الإیجاز)،و لم یکن عجبا بعد ذلک أن بهرهم القرآن الکریم بما فیه من الموجز المعجز فقالوا: (إنا سمعنا قرآنا عجبا یهدی إلی الرشد فآمنا به و لمن نشرک بربنا أحدا) 2،ففی القرآن الکریم من الموجز المعجز ما لا سبیل إلی حصره،و منه قوله تعالی: (و لکم فی القصاص حیاة یا أولی الألباب) ،ففی قوله عز و جل: (فی القصاص حیاة) أجمع کلمة وضعت علی وجه الأرض لإصلاح المجتمع،و أوجز ما ورد فی لغة من اللغات فی هذا السبیل،فعدد حروف هذه الجملة القرآنیة أقل من قولهم الشائع:(القتل أنفی للقتل)ففی هذه الجملة أربعة عشر حرفا ملفوظا و خمسة عشر فی الأصل،بینما فی الجملة القرآنیة عشرة فی التلفظ و إثنا عشر فی الأصل،و لأنه صرح بالمطلوب من القصاص و هو الحیاة للناس،فکان أزجر من القتل بغیر حق،و لأن تنکیر کلمة(حیاة)یفید التعظیم،کما أنه أحکم و أشمل، و ذلک أن القتل الذی ینفی القتل هو ما کان للقصاص لا مطلق القتل،کما أنه خلا من التکرار اللفظی بخلاف قولهم الشائع.
فنیة السجع و الجناس: السجع هو فی النثر زینة لفظیة أکثر منها العرب فی خطبهم و حکمهم و أمثالهم،و قد جاء القرآن الکریم بالقسط الأعذب منها کقوله عز و جل: (أفرأیت الذی کفر بآیاتنا و قال لأوتین مالا و ولدا،أطلع الغیب أم اتخذ عند الرحمن عهدا،کلا سنکتب ما یقول و نمد له من العذاب مدا) 21،و قد رأی بعض علماء البدیع أن السجع یقع فی الشعر کما یقع فی النثر، و عدوا ذلک مما ورد فی قول الخنساء: حامی الحقیقة محمود الخلیقة مه دی الطریقة نفاع و ضرار و سموا هذا السجع بالترصیع،و بینوا حدوده بأن یجعل من الفقرة الثانیة من الکلام ما یقابل الفقرة الأولی مثل: و مکارم أولیتها متبرعا و جرائم الغیتها متورعا31 و منه قول بدیع الزمان فی النثر:إن بعد الکدر صفوا،و بعد المطر صحوا."