Abstract:
ما من أمّتين تباينتا وتخالفتا في الدمّ واللغة والبيئة الطبيعيّة والاجتماعيّة، ثمّ تدانى أدبهما واقترب بعضه من بعض حتى كاد يكون من حيث الصياغة والمنحى واحدًا إلى الحدّ الذي يتعذر على أحد أنْ يميّز بين أدب وآخر لولا اللغة الدالّة عليه كالأمّتين العربيّة والفارسيّة، وعلى الرغم من أنَّ الاختلاف في الدمّ واللغة وطبيعة النشأة بين الأمّتين العربيّة والفارسيّة لا بدّ وأنْ يترك أكبر أثر من الاختلاف في طبيعة أدب الأمّتين وصياغته ومنحاه، كان الأدب الفارسيّ الآريّ أقرب إلى الأدب العربـيّ الساميّ من الآداب الأخرى المكتوبة باللغات الساميّة.حتى قبل الإسلام تسنّى للغة العربيّة أنْ تعرف شيئًا غير قليل من المعاني التي تسرّبت إليها من الفارسيّة، وورد الكثير منها بألفاظها الفارسيّة في عدد كثير من الأشعار عند شعراء الجاهليّة بدوًا وحضرًا.أمّا بعد الإسلام فيمكننا القول إنَّ اللغة الفارسيّة تطورت باعتناق الإيرانيّين الدين الإسلاميّ الحنيف متأثّرة بلغة القرآن الكريم، وكُتبت بالخطّ العربـيّ، وإذا كان الإسلام قد حرَّر الإيرانيّين من الحكومات المستبدة، فإنَّ إيران قد قدمت خدمات جليلة إلى الإسلام، فقد تفتحت العبقريّة الإيرانيّة خلال المرحلة الإسلاميّة في مختلف الميادين العلميّة والأدبيّة واللغويّة، والفلسفيّة وعلم الرياضيّات والطبّ والفلك والعلوم الدينيّة، وإذا كان الإيرانيّون قد ألّفوا كتبهم باللغة العربيّة، فقد طعموها بلغتهم، وأنتجوا باللغة المطعمة هذه ودوّنوا بها كتبهم في المجالات المختلفة، وهنالك عدد لا يُحصى عدّه من الإيرانيّين ممن أبدعوا وبرعوا وكتبوا باللغة العربيّة علمًا وشعرًا ونثرًا وألّفوا في علوم اللغة العربيّة كالصرف والنحو والبلاغة وغيرها.أمّا في الأدب فقد تبادل الأديان العربـيّ والفارسيّ المواضيع والأساليب، وأعطت الفارسيّة الأدب العربـيّ عمق المعنى وجمال التصوير وعمق الحكمة واتّساع أفق الرؤيا. وأعطت العربيّة الفارسيّة العروض والبديع والدين بمنازعه وأفكاره.والجدير ذكره أنَّ تيار الترجمة من الفارسيّة كان من أقوى التيارات التي رفدت الثقافة العربيّة الإسلاميّة، ولهذا أسباب كثيرة أبرزها ذلك النفوذ السياسيّ الذي كان للفرس في الدولة العبّاسيّة، والذي تبعه امتزاج في الجنس واللغة والثقافة والحياة الاجتماعيّة بين العرب والفرس لم يتهيّأ له أنْ يتمّ بين العرب وأمّة أخرى من الأمم التي دخلت في دين الله.
Machine summary:
"- المناظر والصور والأمکنة فی "لیلی والمجنون" للنظامی لا تشبه من قریب أو بعید ما جاء فی قصة المجنون فی الأغانی أو فی الدیوان الذی جمعه الوالبی، فقد استطاع النظامی بذوقه الفنی وقدرته الإبداعیة أن یصور الأماکن التی جرت فیها القصة حیة ناطقة، بحیث یشعر القارئ أنه یرافق أبطال القصة فی حلهم وترحالهم، وکأنموذج علی ذلک، مساعدة المجنون للظبی لیتحرر من شبکة الصیاد، وردت فی القصة العربیة فی بضعة أبیات: أبا شبه لیلی لا تراعی فإنـنی لک الیوم من وحشیة لصدیق ویا شبه لیلی لو تلبثت ساعة لعل فؤادی من جواه یفیق 2 تفر وقد أطلقتها مـن وثاقها فأنت للیلی لو علمت طلیق فی حین أنها بلغت فی منظومة النظامی حوالی مئة بیت، منها قول النظامی: - نحو تلک الطریدة تقدم المجنون کوالد ملهوف علی فلذة کبده، یمرر بحنو کفه علی رأسه کما یفعل المحبون، مضمدا ما یراه من جراحاته، نافضا عن جسده التراب من الرأس حتی القدمین، والدموع تنهمر من مآقیه وهو یناجیه قائلا: أیها البعید عن ألیفک، أنت مثلی قد هجرک الحبیب، هیا انطلق یا فارس الصحراء، یا نزیل المراعی والجبال الخضراء، رائحتک تذکرنی برائحة حبیبتی وعیناک تشبه عینیها، فلتنزع القیود عن قوائمک، فمکانک فی کنف الحبیب، ولینشرح صدرک، ویشرئب عنقک، ویبرد صدرک الملتهب، - محمد غنیمی هلال، الحیاة العاطفیة بین الصوفیة والعذریة، دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة 1976 ص97."